
نصب الأمة… معلمة حضارية تُجسّد الذاكرة الوطنية وتؤسس لوجهٍ جديدٍ لنواكشوط
شهدت العاصمة نواكشوط فعاليات وضع الحجر الأساس لأول معلمة حضارية كبرى من نوعها في تاريخ البلاد، هي معلمة نصب الأمة، وذلك بإشراف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في حدث وطني بالغ الدلالة، يعكس العناية المتزايدة بالبعد الرمزي والتاريخي في مسار التنمية الحضرية.
وتُعد هذه المعلمة مشروعًا وطنيًا ذا أبعاد حضارية وثقافية عميقة، يهدف إلى تخليد الذاكرة الجماعية، واستحضار المجد التاريخي للشعب الموريتاني، في قالب معماري عصري يجمع بين الأصالة والحداثة، ويمنح مدينة نواكشوط معلمًا بارزًا يليق بمكانتها عاصمةً للبلاد.
وقد رُصد لهذا المشروع غلاف مالي بلغ 8.7 مليار أوقية قديمة، تتحمل جهة نواكشوط نسبة 75% منه، فيما تساهم الدولة بنسبة 25%، في نموذج واضح للشراكة بين الدولة والجهات المحلية، وتجسيد عملي لمبدأ اللامركزية وتعزيز دور الجهات في قيادة التنمية.
ومن المقرر أن تكتمل أشغال بناء المعلمة خلال عشرين شهرًا، لتكون عند إنجازها إضافة نوعية للفضاء الحضري للعاصمة، وعنصرًا جماليًا وثقافيًا يعكس صورة حضارية مشرقة لمدينة نواكشوط، ويعزز جاذبيتها كحاضرة حديثة متصالحة مع تاريخها، ومنفتحة على مستقبلها.
ولا يمكن الحديث عن هذا الإنجاز دون التوقف عند الجهود الجبارة التي بذلتها رئيسة جهة نواكشوط، السيدة فاطمة بنت عبد المالك، التي تقف خلف فكرة المشروع، وتولت جانبًا كبيرًا من تمويله، وسهرت على إخراجه إلى حيز التنفيذ، إيمانًا منها بأهمية الاستثمار في الرموز الجامعة، ودور المعالم الكبرى في بناء هوية المدن وتعزيز إشعاعها.
ويأتي إنشاء معلمة نصب الأمة تمشيًا مع برنامج فخامة رئيس الجمهورية الرامي إلى إعطاء نواكشوط صورة حضارية تليق بعاصمة دولة تسير بخطى واثقة نحو التحديث والتنمية المتوازنة، حيث شكلت هذه الرؤية الإطار العام الذي انبثقت عنه الخطة الاستعجالية لعصرنة نواكشوط، باعتبارها مقاربة شاملة تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتطوير الفضاءات الحضرية، وتعزيز جودة الحياة للمواطنين.
وفي هذا السياق، يبرز مشروع نصب الأمة بوصفه أحد الرموز القوية لهذه الرؤية، لما يحمله من دلالات تاريخية وتراثية ووطنية، وما يوفره من قيمة مضافة ثقافية وجمالية، تؤكد أن التنمية لا تقتصر على الطرق والمباني الخدمية، بل تشمل أيضًا بناء الذاكرة، وصيانة الرموز الوطنية، وترسيخ الانتماء،للمحافظة على النسيج الاجتماعي المكون لدولة المواطنة.
إن معلمة نصب الأمة ليست مجرد مشروع عمراني، بل هي رسالة وطن، وشاهد على إرادة سياسية واعية، وتكامل مثمر بين القيادة العليا للبلد والفاعلين المحليين والجهويين، وستظل عند اكتمالها علامة فارقة في مسار تحديث نواكشوط، ودليلًا على أن موريتانيا تمضي بثبات نحو ترسيخ مدينة عصرية، متجذرة في تاريخها، ومشرئبة إلى آفاق المستقبل.
بقلم:
تماد إسلم أيديه
صحفية موريتانية وباحثة في الشأن العام