
عدوان إسرائيلي على الدوحة يفتح باب التساؤلات حول الموقف العربي والأميركي/تماد إسلم أيديه
شكل الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة صدمة إقليمية ودولية، كونه سابقة خطيرة في استهداف مباشر لدولة عربية لم تشهد من قبل مثل هذا العدوان. وقد وصف رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الهجوم بأنه “إرهاب دولة” وانتهاك صارخ لسيادة قطر وأمنها.
هذا الاعتداء لم يكن مجرد خرق للقوانين الدولية، بل رسالة سياسية فجة تعكس طبيعة إسرائيل كقوة مارقة لا تتورع عن تقويض الاستقرار الإقليمي. ومع أن قطر لعبت دورًا محوريًا في الوساطات الرامية إلى نزع فتيل التوتر في المنطقة، فإن الغارة الإسرائيلية نسفت تلك الجهود وأكدت أن تل أبيب لا تكترث بالمساعي الدبلوماسية ولا بالتحالفات الدولية.
وما يزيد من خطورة هذا الاعتداء أنه كان محاولة اغتيال الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة خليل الحية، الذي كان يجتمع في الدوحة لبحث مبادرة الرئيس الاميركي ومسارات التهدئة.
إن استهداف وفد تفاوضي على أرض دولة عربية يكشف بوضوح أن إسرائيل لا تريد السلام أصلًا، بل تسعى لإسكات أي صوت سياسي يمكن أن يفتح باب الحلول غير العسكرية، وهو ما يعني أن العدوان لم يكن فقط على قطر، بل على المسار السياسي الفلسطيني برمته.
اللافت أن الهجوم جاء في وقت تشهد فيه المنطقة محادثات حساسة برعاية أمريكية،ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سارع إلى الاتصال بأمير قطر للتنديد بالاعتداء والتأكيد أن العملية لم تتم بالتنسيق مع واشنطن،فإن الموقف الأميركي يظل مثار تساؤل.فإذا كانت الإدارة الأمريكية تعلن دائمًا عن صدارة قطر وأهميتها في استراتيجيتها، فكيف سمحت لحليفتها إسرائيل بالتمادي في عدوان يهدد أمن دولة تعتبر شريكًا رئيسيًا لها؟
تحمّل الدوحة اليوم نتنياهو مسؤولية جر المنطقة إلى الفوضى، وتؤكد أنها تحتفظ بحق الرد، بينما يزداد الضغط على واشنطن لإثبات جديتها في ضبط حليفتها ومنعها من الاستمرار في انتهاك سيادة الدول العربية،فإما أن تترجم أمريكا تصريحاتها عن حماية الاستقرار إلى أفعال ملموسة، أو أن تجد نفسها متهمة بالتواطؤ أو العجز أمام تمادي إسرائيل السياسي والعسكرية.
أطلق الهجوم على قطر جرس إنذار جديدًا: لم يعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي يقتصر على فلسطين أو دول الجوار المباشر، بل تجاوز الحدود ليهدد الأمن القومي العربي بأسره، وهنا تبرز الحاجة إلى موقف عربي موحد، وإلى مراجعة جذرية للعلاقات مع الأطراف الدولية التي تعجز – أو تتقاعس – عن كبح جماح الاحتلال.
ومن هنا، فإن الدور العربي يصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، عبر تحرك دبلوماسي منسق يرفع القضية إلى المحافل الدولية، ويمارس ضغطًا سياسيًا واقتصاديًا على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المتكررة.
كما أن بناء جبهة عربية متماسكة، تتجاوز الخلافات وتضع حماية السيادة والأمن القومي في مقدمة الأولويات، هو السبيل الوحيد لمواجهة هذا العدوان السافر، ليس فقط على قطر، وإنما على كل دولة عربية تواجه الهجوم اليومي من الاحتلال.
وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية دول الخليج العربي على وجه الخصوص، التي يُنتظر منها أن تعيد النظر في علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأن تبادر إلى قطعها بشكل واضح، انسجامًا مع الموقف المبدئي في الدفاع عن سيادة الأمة العربية،والتصدي بحزم لما يسمى بـ”خطة الشرق الأوسط الجديد”،التي يحاول نتنياهو فرضها بالقوة، وذلك يمثل اليوم واجبًا تاريخيًا لا يمكن التهاون فيه.