تمدرس الفتيات الموريتانيات في الوسطين الحضري والريفي: أية حكامة؟

يتناول هذا المقال واقع تمدرس الفتيات في موريتانيا، مع التركيز على الفجوة القائمة بين الوسط الحضري والريفي، ويحلل ممارسات الحكامة التربوية ومدى نجاعة السياسات العمومية في ضمان تعليم منصف وشامل للفتيات. يستند التحليل إلى مؤشرات إحصائية، وأطر نظرية في الحكامة، مع اقتراح مسارات لتحسين الأداء وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا الهدف الرابع (التعليم الجيد) والخامس (المساواة بين الجنسين).

مقدمة:

يُعتبر تعليم الفتيات من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وقد أولته السياسات التعليمية في موريتانيا اهتمامًا متزايدًا في العقود الأخيرة. غير أن هذا الاهتمام يصطدم بجملة من التحديات المرتبطة بالفوارق الجغرافية، والثقافية، والاقتصادية، ما يؤدي إلى تباينات واضحة بين الوسطين الحضري والريفي. وهنا تبرز إشكالية الحكامة بوصفها آلية مركزية لضمان جودة التعليم، وتكافؤ الفرص، ومساءلة الأداء المؤسسي.

أولاً: السياق العام لتمدرس الفتيات في موريتانيا

رغم التحسن النسبي في نسب التمدرس على المستوى الوطني، إلا أن الفتيات لا يزلن يواجهن عراقيل تعيق ولوجهن واستمرارهن في المنظومة التربوية، مثل:

  • الفقر وانتشار الأمية بين الأمهات، خاصة في المناطق الريفية.
  • زواج القاصرات، الذي يؤدي إلى التسرب المبكر.
  • العقليات التقليدية، التي تفضل تعليم الذكور على الإناث.
  • نقص البنية التحتية، لا سيما في المناطق النائية.

تشير تقارير وزارة التهذيب الوطني إلى أن نسبة تمدرس الفتيات في التعليم الابتدائي بالوسط الحضري تتجاوز 80%، في حين لا تتعدى 55% في الوسط الريفي، وتتناقص هذه النسب بشكل حاد في التعليم الإعدادي والثانوي.

ثانيًا: الحكامة التربوية ومقاربة النوع

تعني الحكامة الجيدة في مجال التعليم وجود سياسات واضحة، وتوزيع منصف للموارد، وآليات فعالة للرقابة والتقييم. وفي السياق الموريتاني، لا تزال هذه المبادئ تعاني من ضعف في التطبيق، خاصة فيما يتعلق بمقاربة النوع:

  • غياب الإحصائيات المصنفة حسب النوع والموقع الجغرافي بشكل منتظم.
  • ضعف مشاركة النساء في هيئات التسيير التربوي محليًا ومركزيًا.
  • غياب ميزانيات مخصصة للتعليم المراعي للنوع في معظم البرامج.

إن تطبيق الحكامة الجيدة يقتضي تجاوز منطق المركزية، وإشراك المجتمعات المحلية، بما في ذلك الأمهات والتلميذات أنفسهن، في بلورة السياسات التعليمية.

ثالثًا: تحديات التعليم في الوسط الريفي

يُعد الوسط الريفي الحلقة الأضعف في النظام التعليمي، ويعاني من:

  • ندرة الكوادر التربوية المؤهلة، وخاصة الإناث، ما يؤثر على استقرار التلميذات واستمرارهن.
  • ضعف المرافق الأساسية، مثل المراحيض الآمنة، والمياه الصالحة للشرب، وهي عناصر حاسمة لتمدرس الفتيات.
  • النقل المدرسي، الذي يمثل عائقًا كبيرًا أمام التلميذات في المجتمعات المتفرقة جغرافيًا.

ورغم البرامج الحكومية مثل “المدرسة الجمهورية” و”برنامج دعم تمدرس البنات”، فإن الأثر لا يزال محدودًا بسبب غياب المتابعة والتنسيق بين المتدخلين.

رابعًا: فرص التحسين ومسارات الإصلاح

للنهوض بتمدرس الفتيات وتحقيق حكامة فعالة، تقترح هذه الورقة مجموعة من التوصيات:

  1. إدماج النوع الاجتماعي في جميع مراحل التخطيط والميزانية التربوية.
  2. توسيع المدارس الإعدادية والثانوية في الأرياف، مع توفير داخليات ملائمة للفتيات.
  3. تشجيع المعلمات على العمل في المناطق الريفية، عبر تحفيزات مادية ومعنوية.
  4. إشراك الأسر والمجتمع المدني، من خلال حملات تحسيسية وتكوينات حول أهمية تعليم الفتاة.
  5. إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم القروي لتجاوز الحواجز الجغرافية.

خاتمة:

تطرح مسألة تمدرس الفتيات الموريتانيات في الوسطين الحضري والريفي تحديًا معقدًا يتطلب تعاطيًا متعدد الأبعاد، يستند إلى مقاربة الحقوق، والمساءلة، والشفافية. ولا يمكن الحديث عن حكامة تعليمية ناجحة دون دمج فعلي لمقاربات النوع والعدالة المجالية، وتكريس الإرادة السياسية في تفعيل إصلاحات عميقة وجريئة. فتمدرس الفتاة ليس قضية تعليم فقط، بل هو مدخل لإصلاح المجتمع بأسره.

المراجع:

  • وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي (2023). تقرير التمدرس الوطني.
  • البنك الدولي (2022). “تحليل النوع الاجتماعي والتعليم في موريتانيا”.
  • اليونيسيف (2021). “حالة الأطفال في موريتانيا”.
  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2024). تقرير التنمية البشرية.
  • دراسات ميدانية لمنظمات المجتمع المدني المحلية (2020-2024). تماد إسلم أيديه
زر الذهاب إلى الأعلى