قرار رئاسي يعيد البوصلة إلى الداخل: مسؤولون في إجازة… ومدن تنتعش

في خطوة وُصِفت بأنّها «رمزيةٌ بقدر ما هي عملية»، وجّه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الوزراء وكبار موظّفي الدولة إلى قضاء عطلتهم السنوية داخل الولايات الداخلية عوض السفر إلى الخارج، وذلك خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الأربعاء 25 يونيو 2025، بحسب ما أعلنه الناطق باسم الحكومة، حسين ولد مدو. 

قراءة في خلفية القرار

على مدى أعوام ظلت العاصمة نواكشوط مركز الجاذبية الإدارية والاقتصادية، بينما تحوّلت العطلة الصيفية بالنسبة لشريحة واسعة من النخبة إلى موعدٍ سنوي للهجرة المؤقتة نحو مدنٍ عربية وأوروبية. القرار الرئاسي الجديد يقدّم مسارًا معاكسًا، ويستكمل سلسلة توجيهات رئاسية سابقة شجّعت الإنفاق السياحي داخل البلاد، في سياق رؤية أوسع لإحياء الاقتصاد المحلي وترسيخ اللامركزية.

دلالات اجتماعية وسياسية

  1. تقريب الدولة من المواطن
    حضور المسؤولين بين الأهالي، خارج البروتوكول الرسمي، يفتح قنوات تواصل مباشر ويسمح بالاطلاع على الحياة اليومية للناس دون حواجز،هذه المعايشة الميدانية تعمّق الثقة، وتعيد رسم العلاقة بين السلطة والمجتمع على أسسٍ أكثر إنسانية.
  2. تكريس المساواة في الفرص
    حين يختار صانع القرار المدن الداخلية التي يتوجه إليها المواطنين ،بدل الفنادق والمنتجعات الفاخرة في الخارج، تنكسر الصورة تلقائية الفوارق الرمزية بين الطبقات، ويُعزَّز الشعور بأنّ الجميع يتشاركون المجال الوطني نفسه.
  3. تعزيز الوحدة الوطنية
    توزيع المسؤولين على الولايات يخلق «خيوطًا أفقية» من التعارف والتضامن تتجاوز المحاور التقليدية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، ويُضفي على المدن جوًا احتفاليًّا تستشعره العائلات والأطفال في الحدائق والأسواق.

الأثر الاقتصادي المنتظَر

  • تنشيط الخدمات المحلية: ارتفاع الطلب على الإيواء، النقل الداخلي، المطاعم، والحرف اليدوية يعني دورة سيولة جديدة مباشرة إلى جيوب الأسر الصغيرة.
  • خلق وظائف موسمية: قطاع السياحة الريفية سيحتاج إلى أدلاء سياحيين، سائقين، طهاة، ومقدّمي خدمات؛ ما يفتح فرص عمل للشباب والنساء.
  • تحفيز الاستثمار في البنية التحتية: الضغط الإيجابي على طاقة الاستيعاب الفندقي وشبكات الطرق والخدمات الرقمية سيدفع البلديات والقطاع الخاص إلى تحسين عروضهم.

خطوة على طريق اللامركزية

لطالما ارتبط مفهوم اللامركزية في الخطاب الرسمي بإجراءات إدارية وقانونية، غير أنّ «لامركزية الإجازة» تقدّم مقاربةً ناعمة: حين يقضي الوزير أسبوعه في كيفة مثلاً،بدل نواكشوط، فهو يدعم مطارها وطرقها ومشاريع كهربتها ببيتٍ في خانة الطلب.

إنها آلية تحوّل المدن الداخلية إلى فضاءات «مراقَبة» إيجابيًا من قِبَل صانعي القرار أنفسهم، ما يسرّع اكتشاف الاختلالات وتداركها.

رياح تحدّيات محتملة

  • قدرة المدن على الاستيعاب: بعض الحواضر الداخلية تفتقر إلى بنية تحتية سياحية كافية، ما قد يخلق تذمّرًا إذا لم ترافق القرارَ إجراءاتٌ داعمة.
  • تأطير الإنفاق: لضمان استفادة المنشآت الصغيرة بدلاً من سلاسل الخدمات الكبرى، قد يكون من الضروري تحفيز الاقتصاد التضامني المحلي وإطلاق منصّات حجوزات وطنية.
  • المراقبة والمتابعة: كي لا يبقى التوجيه مجرّد إعلان، يُستحسَن نشر تقارير تُبرز توزّع المسؤولين ومساراتهم وأنشطتهم وأثر وجودهم على الحياة العامة.

توصيات لتعظيم المكاسب

  1. حزمة تحفيزية للقطاع الخاص عبر قروض صغيرة لتطوير بيوت الضيافة والنُزل العائلية.
  2. إطلاق مهرجانات جهوية تتزامن مع موسم العطلات، وتستثمر وجود المسؤولين كضيوفِ شرفٍ لجذب الإعلام.
  3. آلية تقييم موسمية تُصدرها وزارتي؛الداخلية والسياحة ترصد مؤشرات الحركة الاقتصادية والثقافية بكل ولاية.

خاتمة

بتوجيهه المسؤولين إلى «أخذ راحتهم» في ربوع الوطن، لا يكتفي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ببث روحٍ جديدة في المدن الداخلية، بل يقدّم درسًا عمليًّا في الاقتصاد المجتمعي والتواصل ال

زر الذهاب إلى الأعلى