
الحفلات المدرسية بين تعزيز القيم وضياع الهوية التربوية
في ظل التحولات المجتمعية السريعة، برزت أزمة حقيقية تتمثل في التناقض الصارخ بين القيم التي يغرسها الآباء في أبنائهم والممارسات التي يواجهها الطلاب في بعض المؤسسات التعليمية. هذا الصراع القيمي يخلق ازدواجية خطيرة في شخصية النشء، ويضعف الثقة في العملية التربوية برمتها.
تتجلى مظاهر هذا التناقض في ازدواجية المعايير بين ما يتعلمه الطفل من قيم الصدق والأمانة في البيت، وما قد يشاهده من ممارسات غير أخلاقية في المدرسة. كما يظهر في تناقض القدوات بين نماذج القدوة التي يعرفها الطالب في أسرته، وبعض السلوكيات غير المسؤولة لبعض الكوادر التعليمية. كذلك يتجسد في تعارض الرسائل بين الخطاب التربوي الرسمي والممارسات الفعلية في البيئة المدرسية.
لنأخذ على سبيل المثال الحفلات المدرسية التي تمثل لحظة تربوية هامة تبرز الجهود التعليمية خلال العام الدراسي. هذه المناسبات تشكل فرصة حقيقية لتقدير العمل التربوي الجاد وإبراز قيمته في بناء الأجيال، حيث تُظهر ما اكتسبه التلاميذ من معارف ومهارات، مع تكريم المتفوقين منهم وتقدير عطاءات المعلمين.
تلعب الأنشطة الموازية دوراً محورياً في إضفاء الحيوية على الحياة المدرسية، حيث تحول المدرسة من مكان جامد إلى فضاء تعليمي ممتع وجذاب. هذه الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية تخلق بيئة تعليمية محفزة، تمنع الملل وتقضي على الرتابة التي قد تولد نفوراً من العملية التعليمية برمتها.
لكن بعض المؤسسات التعليمية حولت هذه المناسبات إلى وسائل تسويقية، حيث طغت الأضواء والضجيج على الجوهر التربوي. تحولت بعض الحفلات إلى عروض استعراضية تفتقر للقيم التربوية، مع تركيز مبالغ فيه على الشكل الخارجي والمظاهر البراقة. هذا التحول يهدد بفقدان الحفلات المدرسية لرسالتها الأساسية في التنشئة الاجتماعية السليمة.
لقد تحولت كثير من حفلات المدارس إلى عروض استعراضية فارغة من المضمون، تتنافس فيها المدارس في الأضواء والزينة، بينما تغيب القيم والأهداف التربوية. أطفال صغار يقلدون نجوم الغناء والرقص بأزياء غير لائقة، على أنغام أغاني قد لا تتناسب مع أعمارهم أو قيمنا التربوية.
المدرسة ليست مكاناً للرقص والغناء فقط، بل هي بيت التربية والتعليم. لماذا لا نستثمر هذه المناسبات في تعزيز القيم النبيلة مثل الأمانة والصدق، والإخلاص في العمل، والتعاون وحب الخير، واحترام الذات والآخرين؟
يمكن تقديم بدائل عملية مثل عروض المسرح التعليمي التي تقدم قيماً أخلاقية من خلال القصص الهادفة، والأناشيد الوطنية والتربوية التي تعزز الانتماء والقيم الإيجابية، واستعراضات المواهب العلمية لعرض ابتكارات الطلاب وإنجازاتهم الأكاديمية، والعروض الرياضية المنظمة التي تعزز روح الفريق والانضباط.
لضبط هذه المناسبات، يمكن تشكيل لجنة تربوية لمراجعة المحتوى المقدم، وإشراك الأخصائيين الاجتماعيين في التخطيط للفعاليات، والتركيز على الأعمال الإبداعية التي تعكس الهوية الثقافية، ومنع أي ممارسات قد تسيء إلى القيم التربوية أو تكون غير مناسبة للبيئة المدرسية.
على وزارة التربية والتعليم إصدار دليل إرشادي واضح لتنظيم الحفلات المدرسية، مع التأكيد على ضرورة التوافق مع المرحلة العمرية، والالتزام بالقيم المجتمعية، وتحقيق الأهداف التربوية، والحفاظ على هيبة المؤسسة التعليمية.
ختاماً، نجاح الحفلات المدرسية يتوقف على التزامها بالأهداف التربوية الأصيلة. يجب أن تبقى هذه المناسبات وسيلة لتعزيز القيم وبناء الشخصية، وليس مجرد أحداث استعراضية. المعلمون الواعون يدركون أن كل لحظة في المدرسة هي فرصة للتربية والتعليم، وأن الحفلة الناجحة هي التي تترك أثراً إيجابياً في نفوس الطلاب، لا مجرد ذكريات عابرة.
الدكتورة أمينة الزغامي
مستشارة أسرية وتربوية