لماذا تتوق الفتاة الموريتانية إلى التبرج؟/تماد إسلم أيديه

في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة التي تشهدها موريتانيا، بدأت مظاهر جديدة تطفو على سطح المجتمع، من أبرزها ميل بعض الفتيات إلى مظاهر التبرج والاهتمام المفرط بالشكل الخارجي.
هذا التوجه يثير تساؤلات عديدة: هل هو مجرد تعبير عن الحرية الشخصية، أم أنه انعكاس لتأثيرات أعمق تتعلق بالتحولات الثقافية والتقنية والاجتماعية؟

التبرج في ميزان الشريعة

قبل الغوص في الدوافع والمظاهر، لا بد من التذكير بأن التبرج محرّم في الشريعة الإسلامية، بنصوص واضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
قال تعالى: “ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى” [الأحزاب: 33]، وهو نهي صريح عن إظهار الزينة أمام غير المحارم، بما يشمل اللباس غير المحتشم ووضع الزينة بطريقة لافتة أو مثيرة.
وقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “إذا بلغت الجارية، لم يُر منها إلا وجهها وكفيها”، دلالة على الحياء والاحتشام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما:… ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها…” [رواه مسلم].
وهذا الحديث يحمل وعيدًا شديدًا، يدل على خطورة التبرج وآثاره السلبية في الدنيا والآخرة.

آثار التبرج على الفتاة والمجتمع

التبرج لا يقتصر ضرره على الفتاة نفسها، بل ينعكس سلبًا على بنية المجتمع، ويساهم في ترسيخ قيم سطحية تهمل جوهر الإنسان وعقله وأخلاقه. من أبرز هذه الآثار:
• تسليع المرأة: حين يتحول جسدها إلى وسيلة جذب، بدلاً من احترامها كشخصية فكرية مستقلة.
• ضعف الثقة بالنفس: الإفراط في التعلق بالمظهر يجعل الفتاة رهينة لمعايير الجمال المتقلبة، فيؤدي ذلك إلى القلق وعدم الرضا.
• إثارة الفتن: التبرج يخل بتوازن العلاقات الاجتماعية، ويغري النفوس الضعيفة، ما قد يفضي إلى مظاهر تحرش أو اختلاط غير منضبط.
• تفكك القيم: حين ترتبط مكانة المرأة بمدى جرأتها في إظهار مفاتنها، يتم تهميش الأخلاق والعلم والعمل الجاد.

بين الأصالة والتأثر بالغرب

المجتمع الموريتاني عرف على مرّ العصور بتمسكه بالقيم الإسلامية وحرصه على الحياء والستر،لكن في السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة التأثر بالثقافة الغربية وموجات “الموضة” و”الترند”، حتى أصبحت بعض الفتيات يقلّدن أنماط حياة لا تمتّ لهويتهن بصلة.
ولا بأس في العناية بالمظهر، فالإسلام لا يعارض النظافة وحسن الهندام، بل يدعو إليهما، لكن ذلك يجب أن يكون في إطار من الاعتدال والاحتشام، دون مبالغة أو تجاوز لحدود الحياء.

ضعف التوجيه وغياب القدوة

من الأسباب الأساسية وراء تزايد ظاهرة التبرج، ضعف التوعية الدينية في البيوت، وغياب القدوات النسائية القوية التي تمثل نموذجًا للمرأة المحتشمة، المثقفة، والواعية.
رغم وجود عالمات ومربيات ملهمات، إلا أن حضورهن في وسائل الإعلام ومواقع التواصل ضعيف، مقارنة بالنماذج التي تروّج للتبرج والتساهل في الحياء.

كما أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تدفع الفتيات إلى التنافس في إظهار الزينة وكشف المفاتن،في غياب الالتزام الرسمي بالخطاب الديني الهادئ والمتوازن،الذي يوضح الحكم الشرعي في التبرج،ويعزز من قيمة الحياء.

وأخيرًا…

إن الفتاة الموريتانية اليوم تواجه تحديات معقّدة: ضغط المجتمع الرقمي، الحاجة إلى القبول، والرغبة في الظهور. لكن الحل لا يكمن في التخلي عن القيم أو التفريط في الحياء، بل في التمسك بالهوية الإسلامية، وبناء الثقة بالنفس من الداخل.
المسؤولية في هذا المجال جماعية؛ تقع على عاتق الأسرة، والمؤسسات التربوية، والدعاة، والمثقفين، ووسائل الإعلام، وكل من له تأثير في الفضاء العام.

علينا أن نعيد الاعتبار لمفهوم الجمال الحقيقي، القائم على الأخلاق والنقاء الداخلي، وأن نذكّر الفتيات بأن الحياء ليس ضعفًا، بل هو قوّة ووقار، وأن الاحتشام لا يعني غياب الأناقة، بل هو عنوان التوازن والرقي.
فالمجتمعات لا تنهض بزينة ظاهرية، بل بأخلاق متجذرة، ووعي ناضج، وهوية راسخة تحفظ للفتاة كرامتها، وتفتح لها أبواب التميز الحقيقي في مختلف مجالات الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى