ما المنتظر من الحوار السياسي في موريتانيا؟
مقدمة
((((
تشهد موريتانيا في الفترة الراهنة حراكًا سياسيًا لافتًا، وسط دعوات متزايدة لإطلاق حوار سياسي شامل يجمع بين مختلف الفاعلين في المشهد الوطني.
وتأتي هذه الدعوات في ظل تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة، مما يجعل من الحوار أداة أساسية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف وضمان الاستقرار وتعزيز الديمقراطية.
خلفية الحوار
لطالما كان الحوار السياسي في موريتانيا وسيلة لامتصاص التوترات وتجاوز الأزمات، لكن التجارب السابقة اتسمت في كثير من الأحيان بعدم الشمولية، أو بتنفيذ جزئي لما يتم الاتفاق عليه.
ويرى كثيرون أن هذا الحوار يجب ألا يكون مجرد محاولة لشراء الوقت أو لتسكين الأوضاع، بل فرصة حقيقية لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي.
ولئن كانت موريتانيا قد عرفت على مر تاريخها السياسي محطات متعددة من الحوار والتشاور، فإن الرهانات اليوم أكبر، والتحديات أكثر تعقيدًا.
سياق الحوار: لماذا الآن؟
تأتي الدعوة إلى الحوار السياسي في وقت تعيش فيه البلاد تحولات داخلية مهمة، بعد تنظيم انتخابات رئاسية خلال سنة 2024، دخلت على إثرها موريتانيا مرحلة جديدة بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يباشر ولايته الثانية،حيث أكد في دعوة للحوار أنه سيكون جامعا وشاملا بين مختلف الفاعلين،وأنه سيحقق الكثير من تطلعات الشعب الموريتاني.
وإذا كان المشهد السياسي لا يشهد اليوم انقسامًا حادًا كما في بعض الفترات السابقة، فإن ثمة ملفات تستدعي توافقًا وطنيًا أوسع، منها:
-الحاجة إلى تطوير النظام الانتخابي وتعزيز الشفافية.
-تحديات اجتماعية تتعلق بمكافحة مخلفات العبودية ومحاربة الفقر والفساد والبطالة.
-تنامي التفاوت الاقتصادي، وتراجع الثقة في فعالية السياسات العمومية.
ما الذي يُنتظر من الحوار السياسي؟
1. إعادة بناء الثقة
أولى خطوات النجاح في أي حوار سياسي تتمثل في ترميم جسور الثقة بين مختلف الفاعلين: السلطة، والمعارضة، والمجتمع المدني. ويتطلب ذلك:
-شفافية في التحضير والتمثيل.
-إشراك واسع للمكونات السياسية والاجتماعية.
-التزام فعلي بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
2. إصلاح المنظومة الانتخابية
لكي تترسخ الممارسة الديمقراطية، لا بد من تطوير آليات تنظيم الانتخابات عبر:
-مراجعة قانون الانتخابات.
تعزيز حياد اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين.
هذه الخطوات من شأنها أن تُمهّد لتنافس رئاسي نزيه في 2029، وتُعزز شرعية المؤسسات المنتخبة.
3. معالجة القضايا الاجتماعية المتجذرة
رغم الخطوات القانونية التي اتُخذت، لا تزال بعض مخلفات العبودية بحاجة إلى معالجتها،بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعوق بناء الدولة،مثلا:
- وضع سياسات إدماج فعالة.
- محاربة الفقر والتهميش.
- تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص.
4. تعزيز الحريات وضمان الحقوق
الحوار يجب أن يتناول أيضًا:
- احترام حرية التعبير والصحافة.
- حماية النشطاء والمجتمع المدني.
- تفعيل استقلالية القضاء والرقابة البرلمانية.
5. آلية تنفيذ واضحة
نجاح أي حوار لا يُقاس بما يُقال فيه، بل بما يُنفذ منه. لذلك ينبغي أن يُتوّج الحوار:
- بخارطة طريق زمنية.
- بآلية رقابة دائمة.
- بإشراك الإعلام والمجتمع في تقييم مدى التقدّم في التنفيذ.
خاتمة: فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها
موريتانيا أمام لحظة سياسية نادرة قد تسمح بإعادة تأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع، على أسس من العدالة والتوازن والشفافية. والحوار، إن أُحسن تصميمه وتنفيذه، يمكن أن يكون مدخلًا حقيقيًا لإصلاح سياسي شامل، ينعكس إيجابًا على التنمية والوحدة الوطنية.
لكن ذلك مشروط بوجود إرادة سياسية صادقة، وتغليب للمصلحة الوطنية على المكاسب الظرفية. فهل يُمكن للنخبة السياسية أن ترتقي إلى مستوى اللحظة، وتلتقط هذه الفرصة التاريخية؟