المسلمون في جمهورية التشيك: يعانون من أزمة مقابر .

في بلد يضم عشرات الآلاف من المسلمين، لا تنتهي معاناة الجالية عند حدود الحياة اليومية، بل تمتد حتى لحظة الوداع الأخيرة. فالحصول على قبر يراعي الخصوصية الدينية ما يزال تحدياً حقيقياً للمسلمين في جمهورية التشيك، حيث تفتقر المدن الكبرى، وعلى رأسها براغ، إلى مقابر إسلامية مستقلة.
وتضطر الجالية المسلمة إلى الاكتفاء بأقسام محدودة داخل مقابر عامة، أبرزها جزء صغير في مقبرة “أولشاني”، في وقت لا تزال فيه المطالبات بتخصيص مقابر خاصة تواجه عراقيل إدارية وقانونية متواصلة. ويعكس هذا الواقع، وفق متابعين، إشكالية أعمق تتعلق بالاعتراف الرسمي بالمسلمين وحقهم في ممارسة شعائرهم حتى بعد الوفاة.
وتوضح بلدية براغ أن إنشاء مقبرة إسلامية مستقلة يتطلب اعترافاً رسمياً بالمسلمين كأقلية دينية، وهو ما يستدعي جمع عشرة آلاف توقيع رسمياً، وهو شرط لم تتمكن الجالية من تحقيقه حتى الآن. كما سبق للبرلمان التشيكي أن رفض منح المسلمين هذا الاعتراف، ما ضيّق هامش الحلول المتاحة أمامهم.
ويقول فلاديمير سنكا، من اتحاد المسلمين في التشيك، إن محاولات متعددة بُذلت خلال السنوات الماضية لتجاوز هذه الأزمة، لكنها باءت بالفشل، حتى في الحالات التي سعت فيها جمعيات إسلامية لشراء أراضٍ خاصة، حيث تصطدم بالرفض من قبل البلديات فور الإعلان عن نية استخدامها كمقابر للمسلمين.
وخلال زيارة لمقبرة أولشاني، يتضح التداخل الكبير بين القبور، وندرة المساحات المخصصة للدفن الإسلامي، في وقت تُمنع فيه الاستفادة من مساحات شاغرة بذريعة الحفاظ على الأشجار أو لأسباب تنظيمية. كما تُجبر بعض العائلات على انتظار انتهاء عقود قبور قديمة لإعادة استخدامها، وهي عملية نادرة ومعقدة.
في المقابل، يبرز التفاوت الصارخ عند مقارنة وضع المسلمين بوضع الطائفة اليهودية، التي تمتلك عشرات المقابر الخاصة وتدير شؤون الدفن وفق طقوسها الدينية دون عوائق، بما في ذلك المقبرة التاريخية التي تضم رفات الكاتب الشهير فرانز كافكا.
ويرى مسؤولون في الوقف الإسلامي أن هذا التمييز يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لحل المشكلة، مشيرين إلى أن غياب الاعتراف الرسمي بالمسلمين يجعل حقوقهم الدينية، ومنها الدفن، رهينة قرارات إدارية متغيرة.
ويؤكد أفراد من الجالية المسلمة أن القضية لا تتعلق فقط بالمقابر، بل تمس جوهر الاندماج والمساواة، خاصة في ظل تضييق مماثل يطال بناء المساجد أو الحصول على دعم رسمي للأنشطة الدينية.
ويذهب بعض الناشطين إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن ما يحدث يعكس تصاعداً في الخطاب المعادي للمسلمين داخل البلاد، وهو ما يتجلى في السياسات العامة والتشريعات المقيدة، فضلاً عن التضييق على حرية التعبير في القضايا المرتبطة بالعالم الإسلامي.
وبين غياب الحلول الرسمية واستمرار القيود، تبقى قضية دفن المسلمين في التشيك رمزاً لمعركة أوسع تتعلق بالهوية والاعتراف والحقوق الدينية، في دولة تصف نفسها بالعلمانية والتعددية، لكنها ما زالت عاجزة عن توفير أبسط الحقوق لمواطنيها المسلمين حتى بعد رحيلهم عن الحياة.

اخبار اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى