شجر الدمع شاخ في أجفاني : بقلم :الدكتور الشيخ أحمد البان.

إزيد بيه، الداعية الوقور:
رحم الله أخي الداعية الوقور إزيد بيه الإمام، وأسكنه فسيح جنانه.
لست أدري من أين أبدأ بوحي**شجر الدمع شاخ في أجفاني
في المعهد العالي سنة 2005 كان لقاؤنا الأول، شاب ربعة، أنيق الهندام، وقور الطلعة، هادئ النبرة، يفرض عليك احترامه بذلك الوقار الفطري والصوت الهادئ.
في ذروة الغضب الطلابي، وتناثر الكلمات النابية، لا يفقد إزيد بيه وقاره، يتحدث بقوة الفكرة، لا قوة الضجيج.
التحق بنا في المملكة المغربية، سكنت معه، وسهرت معه، تناقشنا وتخاصمنا، رفعت الصوت وأسففت العبارة، لكن إزيد بيه ظل كما هو، وقار لا يتزحزح، وصوت لا يستفز.
كان دائما يذكر لي أني أقنعته بإكمال الدراسة، حين تخرج من المعهد العالي، سألته هل ينوي إكمال دراسته، قال: أرغب في ذلك، ولكن ليست لدي إمكانات ذاتية، ولا منحة وطنية، قلت له: المهم أن تصل هناك، وتكون “قضية”، وحين تكون قضية ستجد الحل، ابتسم، وقال هذه مغامرات الشعراء، قلت له: ما دام فاتك أن تكون شاعرا فلا يفتك أن تكون مغامرا، حددنا تكاليف إصدار الجواز وثمن الرحلة البرية، وصل هناك، لم يكن قضية، ولكنه كان فتحا طلابيا، وسفيرا علميا، وقلبا أخويا.
يحتدم المزاح بين الأقران، ويكثر التنكيت، وتتجاوز اللباقة اللفظية في إطار الصداقة، ويلقي كل أحد ثوب الوقار أمام أصدقائه،وتعلو القهقهات، لا يزيد إزيد به على ابتسامة حب، وكلمة مهذبة مشذبة، لم ينطقها حتى نظر في أثرها على المخاطب كيف يكون.
مما عرفته في إزيد بيه دماثة الخلق، والانتباه لشؤون إخوانه، ونصحهم، كم مرة سألني عن أمر يهمني ونصحني فيه، وهونه علي، وكم مرة وجدته يشير من طرف خفي إلى مسألة تركتها علي فعلها، فأنتبه وأمتثل.
كان إزيد بيه مثقفا منفتحا، يبحث عن فهم ما استجد من علوم ومعارف ولا يرفضها، حين اكتسحت التنمية البشرية حياة الناس، مانَعَها كثير من أقرانه، وأنا منهم، واعتبروها مجرد شعوذة معاصرة، لكن إزيد بيه قرأها واستفاد من إيجابياتها، وحصل على شهاداتها وجوائزها.
أخذ منافعها في استغلال الوقت وفهم النفس، وتكوين الذات، وجعل ذلك مرقاةً إلى العلم والمعرفة والبحث.
عرف قدراته من خلالها، فوجّه اهتمامه شطر دراسات الفتوى والمقاصد الشرعية، وترك كتبا قيمة في تلك الموضوعات.
إذا أردت إنجاز مهمة بإتقان فكلف بها إزيد بيه، هذا ما يتفق عليه العارفون به، سينفذها بوعي وإنسانية وأثر نبيل.
زارني أيام كنت في تركيا للعلاج، فنظرت في عينيه الشفقة، وفي صوته الحنان، وفي تثبيته الأخوة الصادقة، هو دائما كذلك، رجل مؤمن وأخ ناصح وصديق لبق.
مضت عشرون سنة على لقائنا الأول، عمل الزمن والمرض عمله في طباع كثيرين، وبقي إزيد بيه كما كان أول مرة، لبقا، هادئا، وقورا، أنيق الهندام، قوي الحجة، مترفعا عن نطق العوراء، بل عن ما دونها من ألفاظ، يراها هو بذوقه لا تليق.
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه

تدوينة من صفحة الدكتور الشيخ احمد البان.

زر الذهاب إلى الأعلى