موائد فارغة: حين يُلغِي البخيلُ فرحةَ الاستقبال

يقول المثل “قابلني ولا تغديني” ويعني أن استقبال الضيف بحفاوة وتقدير أهم من تقديم الطعام لهيفضل الناس أن يشعروا بالترحيب والاهتمام أكثر من اهتمامهم بالطعام المقدم.

يشير هذا المثل إلى أن المعاملة الحسنة والترحيب بالضيف هما الأهم في الضيافة، وأن تقديم الطعام يأتي في المرتبة الثانية.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، وقد وصفته خديجة رضي الله عنها بقولها: “كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق“.

الخوف المفرط من استقبال الضيوف والذي قد يُسمى رهاب الضيافة أو يرتبط بالقلق الاجتماعي مع البخل الشديد (الذي قد يصل لمستوى اضطراب البخل) غالباً ما يشيران إلى مشكلات نفسية متجذرة.

تتعدد أشكال وأسباب الخوف من الضيوف تشمل الخوف من الحكم على نمط الحياة أو المنزل، والقلق من التكاليف المادية للضيافة، وصعوبات التواصل الاجتماعي أو الخوف من الإحراج، أو تجارب سلبية مع الضيوف كالانتقاد أو الإزعاج. تأثير هذا الخوف يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وتجنب المناسبات وحدوث توتر في العلاقات الأسرية.  

أما البخل الشديد (اضطراب التكديس أو اضطراب البخل) فيتميز بعلامات مثل التعلق المرضي بالمال أو الممتلكات حتى مع الحاجة الفعلية، وحرمان النفس والآخرين من أساسيات مريحة، والقلق الشديد عند الإنفاق مهما كان بسيطاً.

يتجنب البخيل الضيوف والمناسبات لاعتبارها فرصة للإنفاق المالي، ويسيطر عليه خوف دائم من أن يؤدي الإنفاق إلى نفاد ماله حتى لو كان لديه ما يكفي. أسباب البخل تشمل صدمة مالية سابقة كالفقر أو الديون، أو تربية قائمة على الخوف من الفقر، أو اضطرابات مثل الوسواس القهري. أضرار البخل تشمل العزلة الاجتماعية وفقدان العلاقات، والتوتر في العلاقات الأسرية والشخصية، وتدهور الصحة النفسية بسبب القلق المستمر.  

العلاقة بين المشكلتين تكمن في أن البخل قد يُغذي الخوف من الضيوف عبر الخوف من إنفاق المال على الضيافة، كما أن القلق الاجتماعي يعزز البخل لأن العزلة تقلل فرص ملاحظة سلوكيات الإنفاق الطبيعية.  

لعلاج هذه المشكلات، يمكن اتباع خطوات عملية تشمل العلاج النفسي عبر العلاج السلوكي المعرفي لمواجهة الأفكار المشوهة حول المال والتفاعلات الاجتماعية، والعلاج بالتعرض بالبدء بزيارات قصيرة لضيوف مقربين تدريجياً.

في إدارة البخل، يُنصح بوضع ميزانية للإنفاق الاجتماعي مع التمييز بين الادخار الصحي والحرمان المرضي.

للتعامل مع الضيافة، يُفضل البدء بضيوف واحدين فقط (ثقة عالية)، واختيار ضيافة غير مكلفة كمشروبات بسيطة، والتركيز على الجودة الاجتماعية لا الكمية. كما يُوصى بالدعم الذاتي عبر تدوين الأفكار السلبية عند قدوم الضيوف ومناقشتها منطقياً، وممارسة تقنيات الاسترخاء كالتنفس العميق قبل الزيارات.  

يجب طلب المساعدة المتخصصة إذا تأثر العمل أو العلاقات أو الصحة، أو عند العجز عن التغيير رغم المحاولة، مع ملاحظة أن اضطراب البخل الشديد قد يحتاج علاجاً دوائياً إذا صاحبه اكتئاب أو قلق حاد. رغم صعوبة هذه المشكلات، فهي قابلة للتحسن عبر العلاج المناسب، والخطوة الأولى هي الاعتراف بوجودها وطلب الدعم (من أخصائي نفسي أو مجموعات دعم أو مقربين).

أيها البخيل تذكر أن المال أداة لتحسين الحياة لا غاية تُفقد بهجة التواصل الإنساني وأن الدار التي لا تعرف الضيف مقبرة لساكنيها.

الدكتورة أمينة الزغامي

مستشارة أسرية وتربوية

زر الذهاب إلى الأعلى