
التغيير المروج له/بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
دأب الموريتانيون خصوصا نخبتهم السياسية و الإعلامية على اللجوء للتكهن بتغيير الوزير الأول، أو على الأقل تعديل وزاري،بل و عودتهم الأنظمة المتبادلة على تحقيق بعض أمانيهم فى هذا الصدد،للتخفيف من الركود السياسي،و منذ تعيين مختار ولد انجاي تتردد شائعات إقالته أو إجراء تعديل وزاري،و إن غلبت شائعة التعديل على توقع الإقالة،و اليوم تأتى هذه الشائعات من داخل بعض أطراف الدولة العميقة.
حيث يروجون لاحتمال تعيين وزير أول جديد،و فى المقابل يردد فى الصالونات المغلقة بعض أنصار الوزير الأول الحالي أنه العارف بطبع الرؤساء،الخبير فى التعامل معهم،ولد عبد العزيز و غزوانى على السواء!.
و يروج البعض لولد انجاي حتى بوصفه البديل المرتقب فى القصر الرئاسي فى أفق 2029.
و بدأ ظهور ولد انجاي عندما عين على إدارة الضرائب،و يدعى بعض خصومه استغلال ولد عبد العزيز له ضد بعض رجال الأعمال،لكنه زاد من محاصيل الخزانة العامة فى المجال الضريبي،و رغم ما يردد البعض من قصص التوتر العابر مع غزوانى أيام نظام عزيز،على خلفية استقبالات صعبة لدى قائد الأركان يومها،غزوانى،احتجاجاً من طرف الأخير، على عرقلة بعض مخصصات الجيش،من حين لآخر،لكن هذا إن حصل فعلا لم يمنع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى من استخلاص ولد انجاي،رغم ظهور اسمه مؤقتا فى ملف العشرية،و مع ذلك أيضا لم تنقل عن ولد انجاي يوما واحدا كلمة ضد ولد عبد العزيز،بل و أدلى بشهادة إيجابية فى حقه،و قد استفاد ولد انجاي كثيرا من ثقة ولد عبد العزيز،بل دلله لدرجة ظهوره فى حلف سياسي جهوي ضد جنرال معروف!،و اليوم يعود للواجهة بقوة وزيرا أولا،و فى الحقيقة،على رأي البعض،ولد انجاي صنيعة ثقة “المحمدين”،و ما يدعى له البعض من وزن سياسي قد لا يتجاوز مكطع لحجار و بعض ضواحيها و علاقات متوسطة فى نواكشوط،فهو يتنفس حاليا من رئة ثقة الرئيس غزوانى،كما يتمتع ولد انجاي بقدرات تسييرية معتبرة و أساليب دعائية و خطابية لافتة،لكنه فى نظر البعض لا يوسع صدره لمخالفيه،لدرجة دخوله فى بعض الصراعات ،غير المباشرة، مع بعض الصحفيين،بسبب إبداء بعض الآراء و المعلومات أيام تعيينه،ثم تواصل تفعيل قانون الرموز بعد تعيينه،قبل أن يتدخل المجلس الدستوري لتقليم أظافر هذا القانون،المثير للجدل أصلا.
و مع وصوله لدفة الوزارة الأولى روج كثيرون رغبته فى الخلاص من الصف المقرب من الرئيس غزوانى(وزراء الداخلية و العدل و الدفاع و الخارجية) ليخلو له قلب الرئيس و خاطره،غير أنه نفى ذلك ضمنيا،علنا فى البرلمان،مؤكدا أن لا توجه سوى للعمل لتحقيق برنامج صاحب الفخامة و رص الصفوف،و قد تضغط الوظيفة الحالية على المعني للتخفيف من المشاكسات مع بعض المنافسين فى دائرة النفوذ و السياسة،أما اليوم فاتضح أن البعض حتى من داخل الدولة العميقة و بعض الأذرع الأمنية يتمنى ليس فقط تعديلا وزاريا لافتا، و إنما الخلاص من الوزير الأول الحالي،بل باتوا يروجون لاسم معروف مقرب من الوزير الأول الحالي،فهل هي ترتيبات الحوار المرتقب،عبر رجوع ولد انجاي للديوان أو تكليفه بملف الحزب الحاكم الراكد،أم الأمر لا يعدو مجرد تمنيات و عداوات تقليدية بين الفاعلين الكبار فى المشهد السياسي الوطني،و هو أمر معتاد و طبيعي ربما،و قد يقتصر هذا الجو المروج له على تعديل وزاري،قد يتراوح ما بين المتوسط إلى الواسع المؤثر،المرضى لبعض الأطراف، تمهيدا للمرحلة المرتقبة،فى بعديها الاقتصادي و السياسي،و بوجه خاص،من جهة الدخول فى نادى الإنتاج الغازي،و من جهة ثانية الحوار المتعثر نسبيا حتى الآن.
و يرى البعض أن ولد انجاي لم يتجاوز بعد مرحلة التبعية السياسية للرؤساء،رغم ربما سعيه غير المبرر لذلك،و ربما نسي البعض أن ولد الطايع خرج من تحت عباءة ولد هيداله،و خرج عزيز و اعل، رحمه الله، من تحت عباءة ولد الطايع،و خرج غزوانى من تحت عباءة عزيز،و تلك سنة التدرج و النمو ،و فى المقابل كم من وزير أول ذهب فى دائرة النسيان أو عين لاحقا فى وظيفة متواضعة، على غرار تعيين أحدهم رئيسا لمجلس إدارة،ثم إن الوزارة الأولى صلاحيتها تقتصر فقط على التنسيق الحكومي،بينما منح ولد غزوانى ولد انجاي صلاحيات واسعة،بموجب خطاب التكليف،و يدعى البعض أن ذلك ضروري لمواجهة خصومه، نظرا لإرتباطه الوثيق بتجربة العشرية ،المثيرة للجدل،على رأي البعض،بينما يذهب بعض خصومه للقول بأن تلك الصلاحيات الواسعة بموجب خطاب التكليف المشهور غير دستورية،بالعودة للنسخة الحالية من الدستور الموريتاني.
كما يقول آخرون،بأن ولايات عديدة محسوب عليها الرئيس، و كلف إثنان من اترارزه بحقيبة الوزارة الأولى،بينما ينتظر الشمال الدورة،و خصوصا آدرار مركز السياسة ما قبل قيام الدولة الوطنية و فى مراحلها الأولى،ما بعد الاستقلال.
فهل يكون الوزير الأول هذه المرة من نصيب إحدى الولايات الشمالية،و خصوصا آدرار.
و إن كنت أرجح عدم لجوء الرئيس غزوانى فى الوقت الراهن لتبديل الوزير الأول،لكن يصعب عليه تجاهل رغبات بعض بارونات الدولة العميقة و توجهات بعض أوجه الرأي العام،و قد يكتفى فى المنعطف الحالي بتغيير وزاري لافت،و ربما يشفع لمختار ولد انجاي كفاءته و بعض حصيلة حكومته فى هذه الأشهر،رغم التعثر فى ملفات أخرى،و قد وجهت سابقا بأن الوزير الحالي بحاجة لتوسيع صدره للجميع،كما ادعى هو انتهاج ذلك،فولد انجاي فى الوقت الراهن ليس لاعبا سياسيا فى مكان محدود مثل مكطع لحجار أو لبراكنه عموما،فهل يتمثل ذلك عمليا؟!،أم يظل أسيرا لعقلية التخندق و اللعب ضد بعض الخصوم.
نتمنى لوزيرنا الأول الارتفاع لحجم المسؤلية و مد الجسور و الصلات الإيجابية مع الجميع،خدمة للصالح العام و تثمينا لثقة رئيس الجمهورية،لكن الواقع القائم يشير للتشبث بعقلية الصراعات الضيقة فى “المقطع” و موريتانيا أوسع و أدعى للتفهم و التفاهم،و لو من أجل المصلحة الوطنية و عدم تضييع فرصة ثقة صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى.