
رصيد المحبة في بنك المشاعر: استثمار لا ينضب
بنك المشاعر هو مفهوم يعتمد على فكرة “الادخار العاطفي”، حيث يتم تعزيز العلاقات من خلال تراكم المشاعر الإيجابية والذكريات الجميلة. يمكن توظيف هذا المفهوم بشكل فعّال لخلق رصيد قوي للمحبة بين أفراد الأسرة .
يتم “ادخار” المشاعر الإيجابية (مثل الحب، الامتنان، الدعم) من خلال الأفعال والكلمات الإيجابية. كل فعل إيجابي يزيد من رصيد البنك، مما يعزز الروابط الأسرية ويجعل العلاقات أكثر مرونة في مواجهة التحديات.
يُحقق بنك المشاعر في الأسرة فوائد عظيمة من خلال تراكم المشاعر الإيجابية التي تجعل العلاقات أكثر متانة ومرونة، كما يساهم في تقليل التوتر الأسري حيث يُسهل الرصيد العاطفي الإيجابي تجاوز الخلافات بسلاسة، بالإضافة إلى زيادة مستوى السعادة عبر خلق جو مفعم بالفرح والرضا، فضلاً عن كونه حجر الأساس في بناء الثقة المتبادلة بين أفراد الأسرة من خلال الودائع العاطفية المستمرة التي تُرسّخ أواصر الألفة والمحبة، إليك كيفية تطبيق ذلك:
الحياة العاطفية أشبه بحساب بنكي نودع فيه الثقة والمحبة كلما أحسنا إلى الآخرين وترفقنا بهم وتضامنا معهم، بينما تتراجع أرصدته مع كل إساءة أو جفاء. وكما يقول ذ عبد الله المغلوث: “بنك العواطف يُدير علاقاتك الإنسانية كما يُدير البنك المالي أموالك، فالثقة والمشاعر الإيجابية تمثل الودائع، بينما تكون الإساءة والجفاء بمثابة سحوبات. عندما يمتلئ رصيدك تصمد العلاقات في وجه الأزمات، أما حين يُفلس الحساب العاطفي فإنها تتهاوى لا محالة”. فكما نحرص على أرصدتنا المالية، علينا أن نُدير أرصدتنا العاطفية بحكمة، نستثمر فيها باللطف والاهتمام، ونحذر من الإفراط في السحوبات التي تفرغ العلاقات من مضمونها.
فكرة “بنك المشاعر هي مفهوم قدمه ستيفن كوفي في كتابه “العادات السبع للناس الأكثر فعالية”، حيث:
– الودائع العاطفية (الإيجابيات) = تزيد الرصيد وتقوي العلاقة(الثقة، الحب، الاحترام).
– الاهتمام بالآخر (الاستماع، التفهم).
– الوفاء بالوعود.
– التقدير والكلمات الإيجابية.
– المساعدة في الأوقات الصعبة.
– السحوبات العاطفية (السلبيات) = تنقص الرصيد وتضعف العلاقة (الخيبات، الإهانات، الإهمال).
– النقد أو التجريح.
– الإهمال أو عدم الوفاء بالالتزامات.
– الأنانية أو الاستغلال.
– خرق الثقة (مثل الكذب أو الخيانة).
لماذا استراتيجية بنك المشاعر مهمة ؟
لأن العلاقة الصحية تحتاج إلى رصيد عاطفي إيجابيا لامتصاص الأخطاء الصغيرة.
و إذا وصل الرصيد إلى “الصفر” أو أصبح سالبًا، تنهار الثقة ويصعب إصلاح العلاقة. ويمكن تطبيقه على كل العلاقات (الزوجية، الأسرية، الصداقات، وحتى العلاقات المهنية).
بنك المشاعر أداة ذكية لفهم وتقوية علاقاتك عبر توازن دقيق بين العطاء والأخذ. لإدارة جيدة لبنك المشاعر لابد من :
الإفلاس العاطفي: عندما ينفد رصيدك في “بنك المشاعر
يشير “الإفلاس العاطفي” إلى حالة استنزاف المشاعر تمامًا، حيث يصبح رصيدك العاطفي سالبًا في علاقاتك مع الآخرين (الزوجية، الأسرية، الصداقة، وحتى المهنية). هذه المرحلة الخطيرة تحدث عندما:
– تكثر السحوبات (الإهانات، الإهمال، خيانة الثقة).
– تقل الودائع (الاهتمام، اللطف، الوفاء).
– تختفي القدرة على التسامح أو إصلاح العلاقة.
مؤشرات الإفلاس العاطفي
لدينا خمس مؤشرات للافلاس العاطفي وهي :
1 .البرود العاطفي: فقدان المشاعر الإيجابية تجاه الطرف الآخر.
2. التفكير المتكرر بالابتعاد: الشعور بأن العلاقة “بلا فائدة“.
3. عدم الرغبة في بذل الجهد: حتى في الأمور البسيطة (مثل الاعتذار أو التحاور).
4. التوتر الدائم: مشاعر سلبية مستمرة (غضب، إحباط، خيبة أمل).
5. انعدام الثقة: الشك في كل كلمة أو فعل من الطرف الآخر.
وينتج الإفلاس العاطفي عن تراكم السحوبات مثل النقد الدائم وخرق الوعود والأنانية العاطفية حيث يأخذ الشخص دون عطاء، بالإضافة إلى نقص الودائع كإهمال مشاعر الآخر وعدم الشكر أو التقدير، فضلًا عن الصدمات الكبيرة مثل الخيانة أو الإهانة العلنية التي تؤدي إلى استنزاف المشاعر.
لتجنب الإفلاس العاطفي، ابدأ بمراقبة رصيدك العاطفي واسأل نفسك: هل علاقتي متوازنة؟ هل أعطي أكثر مما آخذ؟ وأصلح الأخطاء فورًا من خلال الاعتذار عند الخطأ والسعي لتعويض السحوبات العاطفية. لا تهمل الودائع الصغيرة، مثل كلمة شكر أو هدية بسيطة أو إظهار الاهتمام، فهي تعزز التوازن في العلاقة. كما يجب وضع حدود صحية تمنع الآخرين من استنزافك عاطفيًّا بشكل دائم. وأخيرًا، قيّم علاقاتك بانتظام؛ فإذا كانت سالبة باستمرار وتستنفذ طاقتك، فقد حان الوقت لإعادة النظر فيها.
إذا وصلت إلى مرحلة الإفلاس العاطفي، حاول الإصلاح من خلال حوار صادق ووضع خطط واضحة لاستعادة الثقة، لكن كن مستعدًا لقبول النهاية إذا كانت العلاقة غير قابلة للإنقاذ، لأن الخروج منها قد يكون الحل الأفضل لصحتك النفسية. كما قال ستيفن كوفي: “الإفلاس العاطفي لا يقل خطرًا عن المالي… كلاهما يُفقِدك الأمان!”
العلاقات الناجحة تُبنى يوميًا بلحظات من الاهتمام المتبادل، فلا تنتظر حتى ينفد رصيدك! ويمكنك البدء ببناء رصيدك العاطفي من خلال تطبيق مبادئ “بنك العواطف” التي ذكرها كوفي في كتابه “العادات السبع“:
ابدأ بفهم الآخرين واهتم بما يهمهم، وعاملهم كما تحب أن يعاملوك. وتذكر أن العناية بالتفاصيل الصغيرة، مثل كلمة لطيفة أو اهتمام بسيط، تُحدث فرقًا كبيرًا، بينما السلوكيات الفظة – ولو كانت صغيرة – تُنهك الرصيد العاطفي. التزم بوعودك، لأن الوفاء يبني الثقة، بينما النكث يُفقدك المصداقية. وضح التوقعات مبكرًا لتجنب الصراعات الناتجة عن الغموض، وكن صادقًا في تعاملك، لأن الثقة أهم من أن تكون محبوبًا، لكنها ستجذب المحبة مع الوقت. وعندما تخطئ، اعتذر بصدق، لأن الاعتذار يُعيد الودائع العاطفية، والناس يغفرون أخطاء العقل أكثر من أخطاء القلب.
يمكن توظيف بنك المشاعر لخلق سعادة أسرية من خلال التركيز على الودائع العاطفية مثل استخدام الكلمات الإيجابية كقول “أحبك” أو “أنا فخور بك”، والقيام بأفعال صغيرة كالمساعدة في المهام أو إعداد وجبات مفضلة، مع تخصيص وقت مميز للنزهات العائلية أو مشاهدة الأفلام معًا، وتبادل الهدايا الرمزية كالكتب أو الزهور. كما أن توثيق الذكريات الجميلة عبر الصور أو اليوميات العائلية يعزز الروابط. ولتنفيذ هذه الفكرة عمليًا، يمكن استخدام لوحة للمشاعر يكتب عليها أفراد الأسرة مشاعرهم الإيجابية، أو صندوق امتنان لرسائل الشكر، مع تحدي يومي لعمل 5 ودائع عاطفية، وتخصيص يوم أسبوعي للعطاء مثل إعداد وجبة خاصة أو تنظيم أنشطة مميزة، مما يعزز السعادة والترابط الأسري.
ولضمان نجاح بنك المشاعر في الأسرة، من الضروري التركيز على الاستمرارية في تقديم الودائع العاطفية الصغيرة والمتكررة بدلاً من الأفعال الكبيرة النادرة، مع الحرص على أن تكون المشاعر صادقة وحقيقية لأنها الأكثر تأثيراً. كما يُنصح بتنويع طرق التعبير عن المشاعر بين الكلمات الطيبة والأفعال اللطيفة والهدايا الرمزية، مع تشجيع جميع أفراد الأسرة على المشاركة الفعالة في هذه المبادرة لتعم الفائدة وتقوى الروابط الأسرية.
كما قال كوفي: “العلاقات كالحساب البنكي… استثمر فيها قبل أن تحتاجها!” ، لذا ابدأ اليوم بوديعة صغيرة في علاقاتك، وستحصّنها ضد الأزمات قبل فوات الأوان.
الدكتورة أمينة الزغامي
مستشارة أسرية وتربوية
مدربة قيادة أسرية ومنظومة القيم التربوية
مرشدة علاقات زوجية وتأهيل المقبلين على الزواج