
قيمنا لآلئ تضيء في شهر الخير
شهر رمضان هو مدرسة تربوية عظيمة، إنه فرصة ذهبية لمراجعة أنفسنا، وترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية التي تجعلنا أفضل كأفراد ومجتمعات من خلال التركيز على القيم الروحية، الاجتماعية، والأخلاقية، يمكن للفرد أن يعيش تجربة رمضانية مليئة بالبركات والخير.
من خلال هذا المقال، سنتناول كيف يمكن لرمضان أن يكون منصةً لغرس القيم النبيلة في نفوسنا وأسرنا، وكيف نستفيد من هذا الشهر الكريم لبناء شخصياتٍ قويةٍ ومتوازنة، تحمل في طياتها الخير والفضيلة.
القيم هي المبادئ والمعتقدات التي يعتبرها الأفراد أو المجتمعات مُهمةً ومرجعيةً في توجيه السلوك واتخاذ القرارات. تُشكِّل هذه القيم إطارًا أخلاقيًا وثقافيًا يُحدد ما هو مُستحسن أو مرفوض، وتختلف باختلاف الثقافات، والأديان، والخبرات الشخصية.
وقيمك الشخصية هي الأمور التي تعتقد أنها هامة وذات قيمة عظمى في طريقة عيشك للحياة وفي عملك واتخاذك للقرارات الهامة في كل خطوات حياتك، وهي بمثابة البوصلة لمعرفة ما إذا كانت حياتك تسير بالطريقة التي تريدها ام تحتاج الى المزيد من التعديل لتحقيق التوازن .
القيم الروحية في شهر رمضان
يتميز شهر رمضان بالعديد من القيم الروحية التي تعزز التقرب إلى الله والالتزام بتعاليم الدين، حيث نحرص على الصيام وصلاة التروايح وقراءة القرآن والابتعاد عن المحرمات، مما يعزز ارتباطنا بالله.
يشعر فيه الصائمون بجو من السلام الداخلي والصفاء الروحي، خاصة أثناء الصلاة وقراءة القرآن مما يعكس جمالية روحانيات هذا الشهر الفضيل حيث الهدوء والسكينة بالإضافة الى كونه فرصة للتأمل في خلق الله والتفكر في الكون والحياة، يقوي الشعور بالجمال الروحي.
تحفيظ الأبناء القرآن واصطحاب أفراد الأسرة للمساجد والقيام بالعبادات المشتركة وحثهم على الالتزام بالطاعات واغتنام شهر رمضان كموسم للخيرات ومحطة قوية لغرس القيم في نفوس الناشئة.
القيم الاجتماعية والانسانية في رمضان
تتلألأ في شهر رمضان المبارك القيم الإنسانية، يتصدرهاالتعاطف مع المحتاجين والبر والإحسان، الحرص على زيادة الصدقات وإخراج الزكاة ومساعدة المحتاجين، تعبيرًا عن روح الرحمة التي يغرسها رمضان فينا، هذه القيم تجعل من رمضان شهرًا مميزًا للتغيير الإيجابي في حياتنا، وفرصة لتجديد الإيمان وتعزيز الأخلاق الحميدة.
تسهم القيم الاجتماعية في تقوية الروابط بين الأفراد والمجتمعات. من خلال روح التضامن والتعاطف حيث يشعر الصائمون بمعاناة الفقراء والمحتاجين من خلال تجربة الجوع والعطش، مما يدفعهم لمساعدة الآخرين.
فتكثر الصدقات والإحسان للفقراء وتتوج بزكاة الفطر لتدخل عليهم فرحة العيد ،
يشهد رمضان العديد من المبادرات الخيرية التي تترجم قيمة التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع مثل إفطار الصائمين وتوزيع الطعام على المحتاجين. يعتبر العطاء في رمضان من أجمل القيم التي يجذر بنا غرسها في الأبناء وأن نكون قدوتهم في ذلك، حيث يتم تنظيم موائد الرحمن التي تجمع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية لتناول الإفطار معًا، وتعتبر موائد الرحمن من المظاهر الجميلة التي تعكس روح التضامن والتكافلبالإضافة الى قيم التعاون والمشاركة من خلال التعاون في إعداد وجبات الافطار وتنظيم الفعاليات الاجتماعية والدينية.
هذه القيم الاجتماعية تجعل من رمضان فرصة لتعزيز التماسك المجتمعي وبناء مجتمع أكثر تراحمًا وتعاونًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» .
القيم الأسرية في شهر رمضان
يجتمع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار، , وهذا يدعمالروابط الأسرية ويخلق جوًا من الحب والتفاهم، يتم تبادل الزيارات وصلة الأرحام، مما يعيد بناء وترميم العلاقات الاجتماعية ويقوي الروابط الأسرية ، كما يكسب الناشئة مهارات العلاقات الاجتماعية ويعزز الانتماء الأسري من خلال تبادل الزيارات العائلية حيث يشارك الأطفال في هذه الأجواء لتعزيز قيمهم وتوعيتهم على بر الوالدين ورضا الأجداد، والصبر والشكر والعطاء ، وقيمة الإخاء بين الإخوان والإيثار، وقيمة البر والصلة تجاه الأقارب.
القيم الاقتصادية في شهر رمضان
يعلمنا رمضان الاعتدال في الإنفاق وترشيد الاستهلاكوالتوازن بين الإنفاق والادخار
والاستهلاك الواعي وحري بنا توجيه الأبناء الى تجنب الإسراف والتبذير في الطعام والشراب وتجنب الإنفاق المفرط على الكماليات و إدارة ميزانية الأسرة بشكل أفضل خلال الشهر الكريم.
القيم الصحية في رمضان
يعزز الشهر الفضيل القيم الصحية وهو انطلاقة لاكتساب عادات غذائية صحية والحرص على التغذية المتوازنةوالوقاية من الإفراط في الأكل وتعزيز صحة الجهاز الهضمي وتخلص الجسم من السموم…
يعد رمضان فرصة ذهبية لإعادة ضبط عاداتك اليومية وتعزيز صحتك الجسدية والنفسية معًا.
القيم الأخلاقية في رمضان
رمضان فرصة لنسامح من أخطأ في حقنا ونعامل الآخرين برحمة ونفعل قيمة العفو والتسامح، يشجع رمضان على تصفية القلوب وترك الخلافات، حيث يعتبر شهرًا للتسامح ويتم تجنب النزاعات والجدال، مما يعزز السلام الداخلي قبل الاجتماعي.
كما ان رمضان يعلمنا الاعتدال في كل جوانب الحياة، ويغرس فينا قيم أخلاقية سامية كالالتزام وضبط النفس ، الجود والكرم والرفق والرحمة والصدق والصبر ، من خلال مجموعة قيم أخلاقية وتربوية رمضانية تجعل من شهر الصيام مدرسة تنمي الأخلاق
فتنمو القيم العليا في الإنسان .
منظومة قيمية متكاملة
وهكذا تنهل الأسر والأفراد من منظومة قيمية متكاملة ،ويتخلقون بأخلاق الرحمة والعطف، ويتحلون بأسمىالمشاعر وأجمل الأقوال وأحسن الأفعال، وذلك هو جوهر الصيام وأهدافه العظيمة.
رمضان بصمة نور تُنقش في قلوب الأبناء، ومدرسةٌ قيم حية تُعلّم العائلة كيف تكون قدوةً في الإيمان والإنسانية. إنه الفرصة الذهبية لنسج خيوط القيم في نسيج الأسرة، فتصير الصلاةُ لحمةً بين الأفراد، والصبرُ سورًا يَحمي من تقلبات الحياة، والعطاءُ لغةً يتحدث بها الجميع.
عندما يجتمع الأبوان مع أبنائهم على مائدة الإفطار، ليس ليُشبِعوا أجسادهم فقط، بل ليُطعموا أرواحهم بحكايات الصبر، وليُقسموا لقيمات المحبة، وليُذكِّروا بعضهم بأن البركة ليست في كمِّ الطعام، بل في جمال الروح التي تَسمو بالصيام. هنا تُزرع في الأطفال بذورُ التقوى، وتُروى بدمع الدعاء، وتنمو بضوء القمر الذي يلمع في سماء الليالي الرمضانية.
فكل إفطار جماعي هو درس في الكرم، وكل سحر مشترك هو تدريب على الصبر، وكل دعاء خاشع هو لحن يوحد أرواح العائلة.
قيمنا في رمضان ليست كلمات نرددها، بل فعل نجسده:
– حين يشاهد الطفل أباه يؤخر رغبة نفسه ليوزع الطعام على المساكين والمحتاجين .. يتعلم العطاء
– حين ترى البنت أمها تتجاوز عن زلة جارتها وترسل لها صحن مخبزوات او تمر .. تفهم معنى التسامح
– حين تجتهد العائلة في العشر الأواخر بالقيام والقرآن والدعاء.. تبني جسرًا من الروحانية يصل الأرض بالسماء.
رمضان هو المرآة التي تري الأبناء جمال القيم حين تكون أفعالًا:
– لن ينسوا طعم الحلوى التي صنعوها معًا لتهدى لبيت فيه أيتام.
– لن ينسوا صوت أبيهم وهو يدعو لهم تحت السماء الرمضانية.
– لن ينسوا أن الصمت عند الغضب أعظم نصر.. كما علمهم الصيام.
لا تنتهي قيم رمضان بزوال الهلال، بل تتحول إلى إرثٍ عائلي تحمله الأجيال: إرثٌ من صبرٍ يذكِّرهم بأن الجوع المؤقت يُعِزُّ النفس، وإرثٌ من عطاءٍ يُعلّمهم أن السعادة الحقيقية في إسعاد الآخرين، وإرثٌ من ضبط النفس يُذكِّرهم أن القوة ليست في ردة الفعل، بل في التحكم بالشهوات.
فليكن رمضانُ بدايةً لـرحلةٍ لا تنتهي، حيث تظل العائلةُ حارسةً لهذه القيم، تُجددها في كل صباح، وتُحييها في كل فعل، حتى تصير جزءًا من هوية الأبناء، فينشأ جيلٌ يعرف أن الإيمان ليس طقوسًا، بل حياةٌ كاملة تُبنى بالحب، والتواضع، والامتنان.
ختاما
رمضان هو المرآة التي تعكس أجمل ما في الأسر من إمكانات، فهو يُذكِّرنا أن التربية ليست توجيهاتٍ نلقيها، بل أفعالٌ نعيشها، وأن القيم لا تُورث بالكلام، بل بالقدوة والصبر. فاغتنموا أيامه، فرب لحظة إلهامٍ في لياليه تُضيء مستقبلَ أبنائكم، ورب دعوةٍ تحت السحور تُغير مصيرَ العائلة إلى الأبد.
الدكتورة أمينة الزغامي
استشارية أسرية وتربوية
مدربة قيادة أسرية ومدربة منظومة القيم التربوية
عضو الهئية الاستشارية للمجلس الاستشاري الأسري