رد الإعلامي الكبير عبد الباري عطوان على تهديد ترامب بحرق الشرق الأوسط:
“بعد حفل العشاء الخاص الذي أقامه دونالد ترامب “على شرف” السيدة سارة نتنياهو، خرج علينا الرئيس الأمريكي المنتخب فورا بتهديد بحرق منطقة الشرق الاوسط إذا لم يتم الافراج عن الاسرى الإسرائيليين في انفاق قطاع غزة بحراسة كتائب “القسام” و”سرايا القدس” قبل عودته إلى البيت الأبيض يوم 20 من شهر كانون ثاني (يناير) المقبل.
ذهب ترامب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما توعد فصائل المقاومة الفلسطينية بدفع ثمنا باهظا إذا لم يتم اطلاق سراح الرهائن المحتجزين، ووجه تهديداته بشكل خاص إلى قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
في ولايته الأولى كرئيس لامريكا وجه العديد من التهديدات المماثلة، بتدمير كوريا الشمالية، وتركيع الصين، واجبار المكسيك بالقوة على دقع فاتورة تكاليف الجدار الحدودي معها لصد المهاجرين، وبتحويل ايران إلى هيروشيما أخرى اذا ردت على عملية اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
لم يجرؤ ترامب “الجعجاع”، محترف الكذب، على تنفيذ أي من هذه التهديدات، ولعل التهديد الوحيد الذي نفذه، هو الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران عام 2017، واعطى نتائج عكسية، وجاء بمثابة هدية كبرى لايران لم تحلم بها، التي أصبحت، نظريا وعمليا، دولة نووية غير معلنة رسميا.
***
نبشر ترامب بأن تهديداته هذه لن تحرك شعرة في رأس أصغر رضيع فلسطيني جائع او مصاب في قطاع غزة الصامد البطل، فاذا كان شريكه في حرب الإبادة والتطهير العرقي نتنياهو الذي استخدم كل ما في ترسانته من أسلحة الدمار الشامل لقصف القطاع، وأعدم اكثر من 45 الف شهيد ثلاثة ارباعهم من الأطفال والنساء، ودمر 95 بالمئة من منازل أهله، لم ينجح في الافراج عن هؤلاء الاسرى، ولم يفلح رغم قدراته الاستخبارية المتقدمة الامريكية الصنع في الوصول الى هؤلاء والافراج عنهم، فماذا لدى ترامب ما هو أقوى من ذلك واكثر فاعلية؟ ضرب القطاع بقنبلة نووية مثلما اقترح صديقه المجرم السيناتور ليندسي غراهام؟
كتائب “القسام” البطلة وتوأمها “سرايا القدس” لم ترضخ لكل هذه الضغوط الدموية الاسرائيلية ولم تفرج عن الاسرى طوال الـ 14 شهرا الماضية، وفشلت كل الضغوط وجولات المفاوضات التي رعتها أمريكا، بتواطؤ عربي للأسف، وارادتها مصيدة للإيقاع بحماس والجهاد، وتمسكتا بشروطهما كاملة، ولم تتنازلا عن مليمترا واحدا منها، فماذا سيفعل ترامب الارعن أكثر من ذلك؟
نريد تذكير ترامب، ولفت نظره الى مجموعة من النقاط لا بد انه نسيها في غمرة نشوته بالفوز على خصمته الساذجة البلهاء كامالا هاريس:
أولا: المقاومة في قطاع غزة ما زالت قوية ومستمرة، وتوقع خسائر ضخمة ومهينة بالعدو الإسرائيلي وقواته، ومن المسافة صفر، مما يعكس بطولة وشجاعة رجالها، ولم يستسلم منهم مجاهدا واحدا، وجميعهم قاتلوا حتى الشهادة.
ثانيا: لا توجد حاملة طائرات أمريكية واحدة الآن في منطقة الشرق الأوسط وبحارها، سواء كان لونها أحمر او ابيض او عربي، بفعل صواريخ اليمن المباركة، ويكفي الإشارة الى الهجوم بالصواريخ الباليستية البحرية الذي أصاب قبل أيام الحاملة ابراهام لينكولن التي هربت مثخنة الإصابات، واعطب ثلاث مدمرات وسفن أخرى، وأول امس ضرب صاروخ يمني فرط صوت قاعدة عسكرية في قلب يافا المحتلة.
رابعا: ترامب الصنديد الشجاع لم يجرؤ على الرد على الصاروخ الإيراني الذي أسقط مسيرته الاضخم في الخليج ” آر كيو-4 غلوبال هوك” عام 2019 (كلفتها 300 مليون دولار) بعد ان انحرفت عن مسارها عدة أمتار داخل الاراضي الإيرانية.
خامسا: أمريكا العظمى انسحبت من أفغانستان مهزومة مهانة وبعد أشهر معدودة من استلام بايدن السلطة منك يا ترامب، وشاهدنا جميعا، والعالم كله، الهروب الكبير للقوات الامريكية بطريقة تعكس ذروة الاذلال.
***
ترامب لم يعد يخيف أحدا، ولم يجرؤ في نسخته الجديدة عن توجيه كلمة انتقاد واحدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي هزم بلاده في سهول أوكرانيا وسواحلها، واقتطع، وضم، أكثر من 20 بالمئة من “أراضيها” الى بلاده، كما انه لم يجرؤ على التلفظ باسم الصين التي كانت العدو الأول بالنسبة له في ولايته الأولى، ولا ننسى في هذه العجالة التعريج على كوريا الشمالية ورئيسها كيم جونغ أون الذي أهانه وأذله، وجلبه الى هانوي وسنغافورة في اجتماعي قمة عاد منهما الى واشنطن مطأطأ الرأس.
ربما لن يخاف من ترامب وتهديداته الا بعض العرب الذين فرض عليهم التطبيع المهين وصفقة القرن في ولايته الأولى، ولكن الزمن تغير، وباتت هناك قوة رئيسية عظمى إسمها “محور المقاومة” برأس جبار وأذرع طويلة وقاتلة، وفوق هذا وذاك منظمة “البريكس” الجديدة القوية التي لن تنتهي مدة ترامب الثانية في البيت الأبيض (أربع سنوات) الا بلفظ الدولار الأمريكي معظم أنفاسه.. والأيام بيننا يا مستر ترامب”.