الفرصة الذهبية لخدمة القضية
أتفهم تماما تخوف بعض الدول العربية المؤثرة من الانجرار وراء ما تعتبره أجندا إيرانية، ومخططا كيديا تهدف إيران من خلاله إلى جر المنطقة إلى صراع مع إسرائيل، فيما ستبقى إيران نفسها بعيدة عن الحرب متفرجة ومتفرغة لبناء قدراتها الذاتية في مختلف المجالات، كما أتفهم حقيقة أن حماس لم تكن يوما على علاقة طيبة مع تلك الدول والقيادات، بل وأن حماس تناصب تلك القيادات عداء مستحكما لأسباب إيديولوجية وتنافسية في صراع أبدي على السلطة، علاوة على أن تلك القيادات تعتبر أن حماس لم تقم بعمليتها الأخيرة من أجل القضية الفلسطينية، بقدر ما قامت بها تنفيذا لأوامر وتوجيهات من إيران، وبالأساس كرد من إيران على بعض الأعمال العدائية التي نفذتها إسرائيل ضدها مؤخرا.
محمد يحيي ولد باب أحمد – دبلوماسي وأستاذ جامعي سابق
أفهم كل ذلك، وأتفهمه، ولكنني بالرغم من تفهم كل تلك العوامل، فإنني مقتنع تماما بأن عملية حماس الأخيرة ضد إسرائيل – حتى وإن نفذتها حماس بوصفها ذراعا من أذرع إيران في المنطقة – فإنه لا يمكن لغير مكابر أن ينكر ما مثلته تلك العملية من خدمة جليلة للقضية الفلسطينية التي تبقى هي القضية المركزية للعرب والمسلمين أجمعين، وبمن فيهم أولئك الذين لا يزالون يعتقدون بجدوائية العملية السلمية في المنطقة.
فلقد أعادت تلك العملية قضية فلسطين إلى واجهة الأحداث بعد أن ظنت إسرائيل وأمريكا، وأغلب الغرب أنهم قادرون على طمسها بالتدرج، وإغراءات التطبيع.
إنني أعتقد أنه سيكون من الحكمة بمكان وضع جميع الخلافات البينية الداخلية جانبا ولو مؤقتا من أجل الاستثمار الأمثل لنتائج تلك العملية الاستثنائية، وبالنظر إلى معطيات الساحة الدولية الحالية، وبالنظر كذلك إلى ما أبدته أمريكا والغرب عموما من غطرسة وأساليب صليبية في التعامل مع معطيات تلك القضية، وعدم اكتراث بمشاعر جميع العرب والمسلمين، فإنني أعتقد أن اتخاذ قرار جماعي بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة بالذات كمرحلة أولى معبرة وصادمة، سيكون له التأثير الفوري والمباشر على الساحة الدولية بما يضمن أفضل وسيلة لخدمة القضية الفلسطينية، وبما يسهم في الإسراع بتجليات النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب الذى سيكون فاتحة خير على تلك المأساة المرتبطة بنتائج الحرب العالمية الثانية وما أفرزته من نظام دولي لم يكن في واقع الأمر أكثر من تكريس لهيمنة الحلفاء المنتصرين من الدول الاستعمارية، وطريقة ظالمة ومجحفة بالآخرين من أجل الحفاظ على استمرار مصالح أولئك الحلفاء الأنانية في العالم، والتي رأوا أن من وسائل حمايتها – ضمن إجراءات أخرى – غرس ذلك الكيان في الشرق الأوسط، وهو ما يعني بالضرورة زوال ذلك الكيان بزوال النظام الدولي الذى أقامه.
إنني مقتنع تماما أن الوقت مناسب تماما لاتخاذ مثل ذلك الموقف، وبأنه سيكون أنجع السبل وأقلها تكلفة على المنطقة، بل وسيعطى للمنطقة دورا رياديا متقدما في خارطة النظام الدولي المقبل سيمكنها من الفاعلية والتأثير اللازمين لحل القضية الفلسطينية بأفضل السبل، وبحسن التموقع في العالم الجديد.