لا إصلاح دون عقاب / محمد الأمين الفاضل
هناك ثلاث خطوات في مجال الإصلاح مترابطة فيما بينها بشكل قوي جدا، فإذا ما اتخذت السلطة الخطوة الأولى من هذه الخطوات، وجب عليها اتخاذ الخطوة الثانية، وإذا ما اتخذت الخطوة الثانية كان لابد من اتخاذ الخطوة الثالثة.
إنها خطوات في غاية الأهمية، وفي غاية الترابط، ولا يمكن أن نتوقع إصلاحا دون الأخذ بها مجتمعة، أما إذا لم يؤخذ بها مجتمعة، أي إذا أُخِذ باثنتين وتركت الثالثة مثلا، فإن النتائج في هذه الحالة ستكون سلبية، بل وكارثية.
الخطوة الأولى: إعطاء صلاحيات واسعة للوزراء وكبار الموظفين
هناك من الرؤساء من يتولى إدارة كل الأمور، ويتدخل لوزرائه وكبار موظفيه في كل كبيرة وصغيرة، وهناك من الرؤساء من يمنح لوزرائه وكبار موظفيه صلاحيات واسعة في قطاعاتهم، وهذا النمط الأخير هو الأفضل، فالقائد الناجح هو الذي يصنع قادة من حوله، ولكن منح صلاحيات واسعة للوزراء وكبار الموظفين، إذا لم تتبعه الخطوتان اللتان سأتحدث عنهما لاحقا، سيتحول إلى كارثة على النظام وعلى البلد. يمكن القول بخصوص هذه الخطوة أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد منح لوزرائه وكبار موظفيه صلاحيات واسعة جدا خلال السنوات الأربع التي مضت من مأموريته الأولى؛
الخطوة الثانية: الرقابة ومتابعة الأداء
إن منح صلاحيات واسعة للوزراء وكبار الموظفين يجب أن تصاحبه رقابة صارمة لأداء الجميع تمكن من تحديد أصحاب الأداء الجيد وأصحاب الأداء السيء.
من الملاحظ أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على اطلاع كبير بأداء وزرائه وكبار موظفيه إيجابيا كان أو سلبيا، وأنه على دراية واسعة بما يقع من اختلالات ونواقص، وقد تحدث عن تلك الاختلالات والنواقص في أكثر من خطاب، ولعل خطابه بمناسبة تخرج دفعة جديدة من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء (24 مارس 2022)، كان هو الخطاب الأوضح، دون أن يعني ذلك أن خطاباته الأخرى التي جاءت بعد ذلك الخطاب لم تكشف هي الأخرى عن بعض الاختلالات في الأداء الحكومي.
يمكن أن نضيف إلى ذلك الزيارات الميدانية لبعض المؤسسات الخدمية، ولمشاريع قيد الإنجاز، وهي الزيارات التي تزايدت وتيرتها في الفترة الأخيرة، ومن المؤكد أنها أتاحت للرئيس المزيد من الاطلاع على ما يجري في بعض القطاعات.
تحدث الرئيس عن بعض الاختلالات والنواقص في أداء بعض الإدارات والمؤسسات على هامش زياراته تلك، وقد استحسن الكثير من المواطنين صراحة الرئيس عند حديثه عن تلك النواقص والاختلالات، ولكن ذلك الحديث، والذي يعدُّ في غاية الأهمية، قد يتحول إلى أمر سلبي، وقد يزيد من تذمر المواطنين إذا لم تتبعه إجراءات عقابية قوية سنتحدث عنها في الخطوة الموالية.
الخطوة الثالثة: الصرامة في المحاسبة
إن منح الصلاحيات الواسعة للوزراء وكبار الموظفين، وحديث الرئيس عن وجود نواقص واختلالات، إذا لم تتبعهما محاسبة صارمة للمسؤولين عن تلك النواقص والاختلالات، فإنهما ستزيدان من سخط المواطنين، وستكون نتائجهما سلبية على النظام وعلى الدولة.
ومما يبشر على أن هناك إرادة في تفعيل الخطوة الثالثة (المحاسبة)، هو أنه قد لوحظ في الفترة الأخيرة، أن زيارات الرئيس الميدانية، واطلاعه المباشر على بعض النواقص في الأداء، تبعتهما إقالات لبعض الموظفين، وهذا أمرٌ جيد، ومن الضروري أن يستمر، فباستمراره ستكتمل خطوات الإصلاح، وبعدم استمراره فإن الخطوة الأولى والثانية ستكون نتائجهما سلبية على النظام وعلى الدولة.
نعم لتفعيل الخطوة الثالثة من خطوات الإصلاح، ونعم لمعاقبة كل موظف لم يكن أداؤه جيدا، فأن يُمنح موظف ما صلاحيات واسعة، ثم يظهر بعد ذلك أن أداءه لم يكن على المستوى، ففي هذه الحالة يكون من الواجب إقالته، بل ومحاسبته إن كان في تسييره شبهة فساد.
إن عدم محاسبة الموظفين المقصرين، بعد أن منحوا صلاحيات واسعة، وبعد أن ظهر ضعف أدائهم سيؤدي حتما إلى المزيد من الفساد والتسيب الإداري.
ـ بعد أربع سنوات من إعطاء صلاحيات واسعة للوزراء وكبار الموظفين، لابد أن تكون هناك سنة للحساب؛
ـ بعد حديث الرئيس عن وجود اختلالات ونواقص خلال السنوات الأربع الماضية، لابد أن تكون هناك سنة يُحاسب فيها من يتحمل مسؤولية تلك النواقص والاختلالات؛
ـ بعد فتح ملف فساد العشرية، لابد من فتح ملفات فساد أخرى قد تكون شهدتها المأمورية الأولى، ويجب أن يكون التركيز على المشاريع التي لم تنفذ في آجالها، أو تلك التي نفذت دون أي احترام للمعايير.
من المهم أن نشير في الأخير إلى أن هذه الخطوات الثلاث يجب أن يمهد لها بمراعاة الكفاءة والاستقامة في ملف التعيينات في الوظائف عموما، وفي الوظائف السامية خصوصا، وبشكل أخص في الوظائف ذات الصلة بالقطاعات الخدمية الحساسة، أو ذات الصلة بالقطاعات الإنتاجية.